1984 Text
Wikipedia
كتب الكاتب الانجليزي جورج اورويل روايته الشهيرة التي اسماها: 1984 تنبأ فيها بقيام دولة في هذا التاريخ ـ أي عام 1984 ـ تدعى دولة اوقيانيا يحكمها حزب واحد ويقف على رأس الدولة والحزب رجل واحد يُدعى الاخ الاكبر، الذي تملأ صوره بشتى الاحجام كل مكان كما أن عيون الحزب وجواسيسه يملأون كل مكان حيث تتولى شرطة التفكير القاء القبض على الذين يُشك في ولائهم للحزب والأخ الاكبر. حتى اجهزة التلفزيون التي توجد في البيوت النوادي وقاعات الاجتماعات مزودة بكاميرا خفية تنقل فوراً إلى الاجهزة الامنية ما يمكن ان يصدر عن الناس فالشاشة تستلم وتبث في آن واحد وهي تلتقط كل صوت يتجاوز الهمس الواطيء جداً، بل انها ترى كل ما يقع ضمن مدى رؤيتها «ص 7».
حتى الاطفال كانوا يحولون بشكل منظم بواسطة منظمات كمنظمة «الرقباء» إلى متوحشين صغار صعبي المراس، وكان من شأن هذا فضلاً عن كل ذلك ان يُجرّدهم من أي ميل ـ أياً كان ـ للتمرد ضد انضباط الحزب بل انهم ـ وعلى العكس من ذلك تماماً - يتحولون إلى عبادة الحزب وكل ما يتصل به. ان الاناشيد والمواكب والشعارات والرحلات والتدريب بالبنادق الدموية والهتاف بالشعارات وعبادة الاخ الاكبر هي جميعاً نوع من الالعاب الرائعة بالنسبة لهم لقد توجهت كل ضراوتهم نحو الخارج: ضد اعداء النظام والاجانب، والخونة، ضد المخربين ومجرمي التفكير، وهكذا فان من النادر ان يمر اسبوع دون ان تخرج صحيفة التايمز بمقالة تصف كيف ان أحد صغار المتسللين ـ أو ما يُسمى عادة «بطل الاطفال» ـ قد استرق السمع لبعض التعليقات المشبوهة لوالديه وأبلغ عنها شرطة التفكير. «ص 30، 31».
هناك الشعارات الثلاثة التي تُطالعك في كل مكان:
الحرب سلام.
الحرية عبودية.
الجهل قوّة.
هذا هو ونستون بطل الرواية يجلس في زاوية غرفته وقد ادار ظهره لشاشة التلفزيون أخرج من جيبه قطعة ذات خمسة وعشرين سنتاً وعليا أيضاً نقشت بحروف واضحة بالغة الصغر نفس الشعارات الثلاثة. فيما طُبع على الوجه الآخر وجه الاخ الاكبر. حتى في العملة كانت العينان تلاحقك «عينا الأخ الاكبر» من على النقود والطوابع، وأغلفة الكتب، الاعلام، البوسترات، وأغلفة علب السكائر. وفي كل مكان كانت العيون تراقبك، والصوت يطوّقك على الدوام ولا سبيل للخلاص من ذلك. نائماً كنت ام مستيقظاً، تعمل أو تتناول طعامك، داخل البيوت ام خارجها. في الحمّام أو في السرير لا شيء يخصك باستثناء بضعة سنتيمترات مربعة داخل جمجمتك «ص 33».
النظام الحاكم اشتراكي مبادؤه المقدسة هي: «تحولية الماضي» و«الكلام الحديث» و«الايمان المتناقض» ص(32).
تحولية الماضي: هناك شعار حزبي يقول: من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل. يقول الشخص الذي يقوم بتعذيب بطل الرواية بعد ان يخبره هذا بأن الماضي موجود في السجلاّت وفي العقل في ذاكرة البشر، يقول له: في الذاكرة!
حسن جداً، نحن الحزب، نسيطر على كل السجلات ونتحكم في الذاكرة البشرية. اذن نحن «الحزب» نتحكّم بالماضي. «ص 269».
كانت مؤسسة اعلامية ضخمة تدعى وزارة الحقيقة تضم بنايتها ثلاثة آلاف غرفة وكان ونستون بطل الرواية احد العاملين فيها تقوم على تغيير التاريخ أي الماضي باستمرار. فمثلاً هناك دولتان اثنتان تكون احداهما في حالة حرب مع دولة اوقيانيا هما دولة اوراسيا ودولة اياستاسيا. وحين تكون احداهما في حالة حرب تكون الاخرى حليفة لاوقانيا والعكس بالعكس إلاّ انّه لا يمضي عامان أو اربعة حتى تنعكس الامور فتصبح الحليفة عدوة والعدوة حليفة. وهنا يقوم الحزب باستخراج كافة المطبوعات من كتب ومجلات وصحف وشعارات وقصائد وقصص ويغيّر الاسماء فيها حسب التطورات الجديد ـ أي اعادة طبع تلك المطبوعات الموجودة في أرشيف الحزب مرة اخرى وعرضها على الجماهير.
يقول ونستون: اننا لا نعرف شيئاً تقريباً حول الثورة وسنوات ما قبل الثورة كل سجل قد اُتلف، وكل كتاب قد اعيدت كتابته. وكل صورة قد اعيد رسمها. وكل نصب أو شارع أو بناية قد اُعيدت تسميته. وتلك عملية متواصلة. يوماً بيوم ودقيقة بدقيقة. لقد توقف التاريخ. ولا شيء هناك غير حاضر، غير متناه. الحزب فيه على حق على الدوام. أنا أعلم بالطبع ان الماضي مزوّر لكن لن يكون بوسعي أبداً أن اثبت ذلك حتى عندما أكون أنا من يقوم بهذا التزوير. فبعد ان ينجز الامر لن يبقى ثمة دليل حوله. الدليل الوحيد لا يوجد سوى في عقلي أنا. أنا لا أعلم بأي شكل من أشكال اليقين ان هناك انساناً آخر يشاركني ذكرياتي «ص 169».
الكلام الحديث: هو اللغة التي كانت في الاصل فكرة الاخ الاكبر ثم تبناها الحزب وبدأ بطبع قاموس لها كانت طبعاته تتجدد دائما حيث تختزل كلماته وتتناقص ولذا فالكلام الحديث هو اللغة الوحيدة في العالم التي تتناقص مفرداتها كل عام «ص 60».
يقول احد المشرفين على الطبعة الحادية عشرة لهذا القاموس لونستون: نحن نضع اللغة في شكلها النهائي. الشكل الذي ستأخذه عندما لا يتكلم احد بشيء غيره وعندما نكون قد انتهينا منه فإن على أناس مثلك ان يتعلموها برمتها من جديد «ص 58».
فالهدف اذن من «الكلام الحديث» هو جعل الناس يفكرون بطريقة جديدة تتلاءم مع مقررات الحزب والحاكم، أي أن يفكروا كما يتكلمون، هذا الكلام الذي صيغ من قاموس الحزب.
الايمان المتناقض: يلخّصه المؤلف بهذه الكلمات: أنت تعلم ولا تعلم، في الوقت ذاته. وأن تكون مدركاً للمصداقية التامة فيما تعلن اكاذيباً منظمة بدقة ان تحتفظ في آن واحد باعتقادين باطلين وتؤمن بهما معاً مع علمك انهما متناقضان. ان تستعمل المنطق ضد المنطق. وأن تتبراً من الفضيلة فيما تدّعي لنفسك حتى المطالبة بها. ان تعتقد ان الديمقراطية مستحيلة وأن الحزب هو حامي الديمقراطية، ان تنسى كل ما يكون نسيانه ضرورياً ثم تسترجعه ثانية إلى الذاكرة في اللحظة التي تحتاجه فيها لتنساه من دون ابطاء «ص 41».
لقد ادى اسلوب «الايمان المتناقض» بالتالي إلى ان يتحول اعضاء الحزب إلى مخلوقات تردد ببغائياً ما يطلب اليها في اللحظة الحاضرة. فان طُلب بعد لحظة واحدة بالهتاف بشيء متناقض بادر العضو الحزبي إلى فعل ذلك فوراً. وهو في كلا الحالتين غير مؤمن بشيء، عن الفتاة جوليا التي تربطها علاقة صداقة مع ونستون بطل الرواية وكلاهما عضو في الحزب، يقول اورويل:
لقد صاحت مرات لا عدّ لها في الاجتماعات الحزبية الحاشدة والتظاهرات العفوية، بأعلى صوتها الاعدام اُناس لم تكن قد سمعت ابداً بأسمائهم، اُناس لم يكن لديها أدنى اعتقاد بجرائمهم المزعومة. وأثناء المحاكمات العلنية كانت تحتل مكانها في مفارز عصبة الشباب التي تطوف الساحات منذ الصباح حتى المساء وهي تردد بين الحين والآخر: الموت للخونة. وخلال برنامج «دقيقتان من الكراهية» ـ برنامج كان الحزب ينظمه لتوجيه الكراهية نحو اعدائه ـ كانت تبز الآخرين في الصياح بالاهانات نحو غولدشتاين بالرغم من انها لم يكن لديها إلاّ فكرة مبهمة عن من يكون غولدشتاين وأية تعاليم يمثل «ص 166».
وغولدشتاين هذا الذي لا نعرف وحتى نهاية الرواية هل هو انسان موجود فعلاً ام ان الحزب قد ابتكره ليجعل منه العدو الأوّل للدولة والحزب والأخ الاكبر، وليجعل كل من لا يرغب به من الناس حزبيين وغير حزبيين متهمين بالاتصال به والتآمر معه، غولدشتاين هذا كما يقول الحزب: كان يشتم الاخ الاكبر ويشجب دكتاتورية الحزب ويطالب بالسلام الفوري مع دولة اورآسيا، ويدافع عن حرية الكلام وحرية الصحافة والاجتماع والتفكير. وهو زعيم لجيش مبهم. شبكة سرية من المتآمرين للاطاحة بالحكومة تسمّى: الاخوية «ص 18 و19».
أمّا عن اقتصاد البلاد والخراب الذي كان يعمها حيث يعاني المواطنون من نقص في كل شيء حتى في اربطة الاحذية فيقول اورويل: لم يكن هناك ابداً ما يكفي لأن يؤكل. لم يكن للمرء يوماً ملابس داخلية أو جوارب لا تملؤها الثقوب، الاثاث بال متداع دائما، القاعات قليلة التدفئة، القطارات مكتظّة والمنازل متداعية. الخبز مسمر اللون، والشاي شيء نادر، والقهوة بذيئة المذاق، السجائر غير كافية، لاشيء رخيص ومتوفر باستثناء الجن الصناعي «نوع الخمر الرديء» «ص68» كانت القهوة الجيدة والشكولاته والمساكن الفارهة والنظيفة والاحياء الراقية والتلفزيونات التي يمكن اطفاؤها ساعة يشاء المشاهد، والطعام الممتاز من امتيازات اعضاء الحزب الكبار والكادر المتقدم فيه «ص 181 ـ 185» مع كل ذلك يستمر الاعلام الرسمي في الحديث عبر شاشات التلفزيون وصحيفة الحزب عن الرفاه والانجازات الهائلة على كافة الاصعدة وخاصة الاقتصادية والعسكرية التي تحققها القيادة الحكيمة للاخ الاكبر، حاكم البلاد.
فهذا خبر مثلاً يصل إلى ونستون ليعد له وينشره في الصحيفة الحزبية بوصفه أحد الكتاب فيها ـ ويتعلق بكمية الاحذية التي انتجتها الدولة ومصدر الخبر هو وزارة الوفرة ـ وهو اسم اراد به المؤلف السخرية المريرة من أكاذيب هذه الوزارة الاحصاءات خيالية في النسخة الاصلية بنفس القدر الذي هي عليه في النسخة المصححة ويُنتظر منك ان تجملها.
فقد قررت وزارة الوفرة ـ على سبيل المثال منتوج الاحذية خلال الفصل بـ «145» مليون زوج فيما كان المنتوج الفعلي 62 مليون. لكن ونستون وهو يعيد كتابة الخطّة خفّض رقمها إلى 57 بدلاً من 145 كي يتيح المجال للادعاء التقليدي بأن الحصة المحددة قد تخطتها ارقام التنفيذ. وعلي اي حال فان الـ 62 مليون لم يكن اقرب إلى الحقيقة من الـ 57 مليون أو الـ 145. فمن المرجّح تماماً ان لا احذية قد اُنتجت على الاطلاق ومع ذلك فالأكثر احتمالاً هو أن ما من أحد يعرف كم من الاحذية قد اُنتج. فكل ما يعرفه المرء أن هناك ارقاماً فلكية لأعداد الاحذية توضع على الورق كل فصل، فيما كان حوالي نصف سكان اوقيانيا يمشون حفاة عادة «ص 48».
وبصورة عامة في كل فترة كانت هناك مادة ضرورية ما تختفي وتعجز مخازن الحزب عن تجهيز الناس بها تارة تكون هذه المادة ازراراً وتارة اخرى صوف الرفو، وثالثة اربطة الاحذية. والآن هي شفرات الحلاقة، رغم ان بإمكانك الحصول عليها على اية حال بالبحث عنها وبشيء من المكر في السوق الحرة «ص 56» في دولة اوقيانيا تدّخل الحزب في الدافع الجنسي الذي كيّفه الحزب لمصلحته، حين يجعز عن القضاء عليه، فالدافع الجنسي ـ كما يقول اورويل ـ يمثل خطراً على الحزب. وقد حوله الحزب لمصلحته بدلاً من ذلك. لقد لعبوا نفس الحيلة مع غريزة الابوة. اذ لم يكن في الواقع بالامكان القضاء على العائلة، وفي الوقت الذي كان الناس فيه يُشجعون على التولع بأبنائهم بالاسلوب العتيق، فإن الاولاد من ناحية اخرى يحرّضون بانتظام ضد اهليهم ويُلقّنون التجسس عليهم وتسجيل انحرافاتهم. وهكذا فان العائلة اصبحت امتداداً لشرطة التفكير، انها اداة امكن بواسطتها جعل كل شخص محاطاً ليل نهار بالمخبرين الذين يعرفونه عن قرب «ص 146» وامعاناً في تضليل المواطنين وحجب الحقائق عنهم فقد منعوا من الاتصال مع الاجانب وحتى الحليف الرسمي لدولة اوقيانيا كان ينظر إليه دائما بأكثر الشكوك شراً. وليس هناك أي احتكاك بالاجانب ـ إلاّ وعلى نطاق محدود ـ مع الاسرى والعبيد الملونين. وإذا ما وضعنا اسرى الحرب جانباً فان المواطن العادي في اوقيانيا لم تقع عيناه يوماً على مواطن من اوراسيا أو إياستاسيا ـ وهما الدولتان اللتان كانت اوقيانا تتناوب الحرب معهما ـ كما انّه ممنوع من الاطلاع على اللغات الاجنبية. ولو اتيح له يوماً الاتصال بالاجانب فلاشك انّه سوف يكتشف انهم مخلوقات تشبهه وان معظم ما قيل له عنهم كان أكاذيب وسوف يحطّم العالم المحكم الاغلاق الذي يعيش بداخله «ص 212» انها دولة تقوم حضارتها على البغض ـ هكذا يقول المحقق الحزبي لونستون بعد القاء القبض عيه واخضاعه لعمليات غسيل دماغ وتعذيب. ويواصل قوله: لن تكون هناك ـ في عالمنا ـ أية انفعالات غير الخوف والغيظ والابتهاج بالنصر واذلال الذات. سوف ندمر كل ما عداها. اننا بصدد تحطيم كل عادات التفكير التي تعود إلى فترة ما قبل الثورة. اننا نحطم الاواصر التي تربط الطفل بأبويه والرجل بالرجل والرجل بالمرأة، لم يعد أحد يجرؤ على ان يأتمن زوجة أو ابناً أو صديقاً «ص 289».
ومن أجل منع اي تمرد جماهيري أو حزبي فقد قام الحزب بإلهاء الجماهير العريضة التي تشكل الشغيلة غالبيتها بتوافه الامور التي يقف على رأسها الادب الخليع من اشعار ومجلات وأفلام يعدّها حزبيون وحزبيات شغلهم الشاغل انتاج هذا النوع من الادب وتوزيعه بين افراد الشغيلة. وتقوم بهذه المهمة وزارة الحقيقة فهناك سلسلة من الاقسام المنفصلة التي تتعامل مع الادب والموسيقى والدراما وعموم التسلية الموجهة إلى الشغيلة ففي هذا المكان يجري اصدار صحف هرائية لا شيء فيها تقريباً سوى الرياضة وأخبار الاجرام وعلم التنجيم والروايات المثيرة القصيرة ذات الخمسة سنتات، وأفلام تنضح بالجنس وأغان عاطفية «ص 50».
أما أعضاء الحزب، فكل فرد منهم يعيش من الولادة حتى الممات وهو تحت أعين شرطة التفكير. فهو عندما يكون لوحده لا يمكن اطلاقا ان يكون واثقا من انّه لوحده حقاً انّه ـ وأينما كان نائما أو مستيقظا، مشتغلا أو في عطلة، في حمّامه أو سريره ـ يمكن ان يكون مراقباً دون اي تحذير ودون ان يعرف انّه مراقب.
ليس هناك ما هو غير مهم بين ما يقوم به. ان علاقات صداقته، استجماماته، سلوكه ازاء زوجته وأولاده، سيما وهه عندما يكون لوحده، الكلمات التي يدمدم بها وهو نائم، وحتى الحركات المميزة لجسمه، هي جميعاً موضع تفحص بالغ اليقظة «ص 229». اما القاء القبض على من يتهم بجريمة التفكير، فان ذلك يحدث دائماً اثناء الليل. فالاعتقالات لا تجري إلاّ ليلا، حيث الهزة المفاجئة التي تخرجك من نومك والايدي القاسية ترج اكتافك، والاضواء تسطع في عينيك وحلقة الوجوه الخشنة تطوق سريرك.
لم تكن هناك في الغالبية العظمى من الحالات محاكمات ولا تصاريح اعتقال، فالناس كانوا يختفون بكل بساطة، وأثناء الليل في الغالب، ان اسمك يرفع من السجلات ويمحى نهائياً كل سجل لأي شيء فعلته في أي وقت مضى، بل يُنكر ثم ينسى، حتى وجودك في فترة من الماضي تمحى، تباد: اي تبخّر ـ كما يقال عادة ـ «ص 25».
في وزارة الحب حيث يتم الاعتقال والتعذيب الفظيع الذي يجبر فيه المعتقلون على الاعتراف حتى بأشياء لم يرتكبوها بل لم يفكروا بها، ندرك على لسان الجلاد الحزبي المكلف بتعذيب بطل الرواية ونستون الهدف من عمليات التعذيب بهذا الشكل السري الطويل جداً ودون علم من أحد ولا محاكمة ولا شهود، انهم لا يريدون ان يصبح الضحايا شهداء أو يحظون بأدنى تعاطف من أي احد أو ان يكتب التاريخ عنهم فيما بعد لينظر اليهم بوصفهم شهداء. يقول المحقق أثناء استجوابه لونستون في أحد اقبية الامن العام: الامر الاول الذي عليك ان تدركه هو انّه لا وجود في هذا المكان للاستشهاد لقد قرأت عن الاضطهادات الدينية في الماضي ومحاكم التفتيش في القرون الوسطى لكن ذلك كان افلاساً، فقد أريد ان تجتث الهرطقة لكنها انتهت بتخليدها، ومقابل كل مشنق احرقته فوق خازوق بُعث الآلاف. لماذا كان ذلك؟
لانّ محكمة التفتيش قتلت اعداءها علناً، وقتلتهم وهم لا يزالون غير تائبين، وفي الحقيقة انها قتلتهم لانهم كانوا غير تائبين، كان الرجال يموتون لانهم لم يتنازلوا عن معتقداتهم الحقيقية. ومن الطبيعي بعد ذلك ان يكون كل التمجيد من حصة الضحية فيما لحق كل الخزبي بالمحقق الذي احرقها. وفي القرن العشرين كانت هناك انظمة سمّيت بالاستبدادية. وقد اضطهدت الهرطقة على نحو اكثر قسوة مما فعلت محاكم التفتيش تلك. وتصوّر سدنتها انهم قد تعلّموا من اخطاء الماضي. وتعلموا ـ على أية حال ـ ان على المرء ان لا يخلق شهداء، لقد كانوا ـ وقبل ان يقدّموا ضحاياهم إلى محكمة علنية ـ يهيئون انفسهم بترو لتحطيم شرفهم.
كانوا يرهقونهم بالتعذيب والعزلة حتى يصبحوا حقراء تعساء اذلاّء يعترفون بكل ما يوضع في افواهم. يتبادلون التهم ويحتمون بعضهم ببعض. ينشجون طلباً للرحمة، ومع ذلك فان الامر نفسه حدث من جديد بعد بضع سنوات فقط. فقد اصبح الموتى شهداء، واصبح خزيهم منسياً. ومرة اخرى، لماذا كان ذلك؟ في المقام الاول، لان الاعترافات التي ادلوا بها كانت منتزعة وغير صادقة على نحو جلي. اننا لا نرتكب أخطاء مثل هذه ان كل الاعترافات التي تلفظ هنا حقيقية، نحن نجعلها حقيقية. كما اننا وقبل كل شيء لا ندع الميت يبعث ضدنا ان عليك ان تكف عن تصور ان الاجيال القادمة سوف تبرأك يا ونستون، الاجيال القادمة لن تسمع بك اطلاقاً لن يكون هناك أي وجود لك. سوف نحولك إلى غاز ونصبك في الفضاء، لا شيء سيبقى منك لا اسم في سجل ولا ذكر في دماغ حي انك ستكون ملغياً في الماضي ـ كما في المستقبل ـ انك لن تكون موجوداً أبداً.
وحين يتساءل ونستون وهو يعقب على كلام المحقق اعلاه: لماذا يزعجون انسهم اذن بتعذيبي؟ يأتيه الجواب: ألم اقل لك اننا نختلف عمن سبقنا من المضطهدين؟ اننا لا نكتفي بالاذعان السلبي والاستسلام الاكثر اذلالاً، عندما تستسلم لنا في النهاية، فان ذلك لابد ان يكون بمحض ارادتك الحرة. نحن لا نحطّم المنشق لانه يعارضنا وسوف لن نحطمه طالما ظل يعارضنا، نحن نهديه. ننتزع عقله الباطني ونعيد تكييفه من جديد، اننا نجعله واحداً منا قبل ان نقتله. لقد كان المنشق في الازمة السالفة يسير إلى الخازوق وهو لا يزال منشقاً وينادي بهرطقته، مبتهجاً ابتهاجاً شديداً بها، وقد قفل جمجمته على أفكاره المتمردة التي يتشرب بها. اما نحن فاننا نجعل الدماغ «مثالياً» قبل ان نفجّره... لم يقف بوجوهنا ابداً احدا ممن اتينا بهم إلى هذا المكان، اننا نمحوه تماماً، حتى هؤلاء الخونة الثلاثة البائسون الذين اعتقدت ذات مرة انهم ابرياء ـ جونز وأيارونسون ورذرفورد «هذه اسماء اشهر ثلاثة من الذين اتهمهم الحزب الحاكم بالتآمر ضده وأعدمهم بعد ذلكو سحقناهم في النهاية. لقد شاركت شخصياً في استجوابهم، وقد رأيتهم وهم ينهارون تدريجياً، ينشجون. ينحبون ويذرفون الدموع لا من الالم أو الخوف بل من الندم لا غير. ومع انتهائنا منهم لم يتبق سوى هياكل الرجال، ولم يتبق منهم شيء سوى الأسى مما كانوا قد ارتكبوه، والحب للأخ الاكبر، حباً يفوق التصور، لقد توسلوا ان يعدموا بسرعة كي يتسنى لهم ان يموتوا وعقولهم طاهرة.
No comments:
Post a Comment