Picasso - Girl Reading
التفكير العلمي
تلخيص وجدته في احد المنتديات
يلخص فصل سمات التفكير العلمي لـ د.فؤاد زكريا
المبادئ المنطقية للتفكير العلمي
لا يمكن إثبات الشيء ونقيضه (ضده) في ذات الوقت. مثال: الشيء إما أن
يكون موجودا أو غير موجود. فالتفكير العلمي لا يجمع بين النقائض في سمة
واحدة.
يقوم التفكير العلمي على أن لكل حادثة أسبابا، وأن هذه الأسباب تؤدي إلى
ظهور النتيجة ما لم يكن هناك عائق، ولا يتصور التفكير العلمي أن شيئا ما
ينتج صدفة أو دون سبب.
إن التفكير العلمي هو نتيجة للجهود التي بذلها العلماء في بحثهم عن المعرفة
الإنسانية. ويحدد الدكتور فؤاد زكريا السمات المميزة للتفكير العلمي
والمعرفة العلمية بالتراكمية، والتنظيم، والبحث عن الأسباب، والشمولية،
والتجريد، وفيما يلي عرض موجز لتلك السمات بشيء من التَّصَرُّف:
أولا: التراكمية:
ينطلق التفكير العلمي من الواقع، فالمعرفة بناء يسهم فيه كل الباحثين
والعلماء، وكل باحث يضيف جديدا إلى المعرفة، وتتراكم المعرفة وينطلق الباحث
مما توصل إليه من سبقه من الباحثين، فيصحح أخطاءهم، ويكمل خطواتهم، أو قد
يلغي معرفة سابقة، ويبطل نظرية عاشت فترة من الزمن. فكل معرفة علمية جديدة
تكون هي المعرفة المعتمدة على أنها صحيحة. وتصبح المعرفة العلمية القديمة
والنظريات القديمة جزءا من تأريخ العلم.
ويرتبط بهذه الأفكار أن الحقيقة العلمية هي حقيقة نسبية، بمعنى أنها حقيقة
في فترة زمنية معينة، وأنها تتطور باستمرار ولا تقف عند حد معين، بل تتبدل
وتتغير في أثناء تطورها. ومع أن الحقيقة العلمية نسبية إلا أنها تفرض نفسها
على كل الناس. ولا يختلف عليها الناس، بل هي حقيقة موثوقة من الجميع، لا
ترتبط بباحث معين أو عالم معين كالمعرفة الفلسفية والفنية. ذلك أن المعرفة
العلمية لا علاقة لها بمكتشفها؛ فهي ليست معرفة ذاتية، بل موضوعية تفرض
نفسها على كل العقول، ولا يخالفها أحد.
والتفكير العلمي يسير باتجاه عمودي حين يدرس نفس الظواهر التي درسها
العلماء سابقا من أجل اكتشاف حقائق ومعلومات جديدة عنها تصحح المعلومات
الخاطئة التي كانت سائدة. كما يسير التفكير العلمي باتجاه أفقي أيضا حين
يبحث في مجالات وميادين جديدة.
ثانيا: التنظيـــم:
التفكير العلمي هو أسلوب منهجي أو طريقة منهجية للبحث والمعرفة، وهو بهذا
يختلف عن التفكير العادي. فالتفكير العلمي يستند إلى منهج معين في وضع
الفروض والاستناد إلى نظرية، واختبار الفروض بشكل دقيق ومنظم، بينما يعتبر
التفكير العادي أشبه بردود أفعال عشوائية دون وجود أي قدر من التنظيم. إن
وسيلة العلم هي اتباع منهج علمي، فالعلم معرفة منهجية تبدأ بالملاحظة ووضع
الفروض واختبارها عن طريق التجريب والقياس ثم الوصول إلى النتائج.
والتفكير العلمي يستند إلى التنظيم؛ في تنظيم طريقة التفكير، وتنظيم العالم
الخارجي. فالتفكير العلمي ليس منهجا في تنظيم أفكارنا وعدم تركها حرة
طليقة دون إلزامها بقواعد وقوانين فحسب، بل هو منهج في تنظيم العالم
الخارجي أيضا. فالباحث العلمي لا يناقش ظواهر متباعدة أو مفككة، بل يدرس
الظاهرة في علاقتها بالظواهر الأخرى، فيكشف العلاقة بين الأسباب والنتائج،
ويكشف الصلات والارتباط بين ظاهرة وأخرى.
ثالثا: البحث عن الأسباب:
يهدف العلم إلى فهم الظواهر التي يدرسها. ولا يتم هذا الفهم من خلال الوصول
إلى المعلومات والحقائق، بل لا بد من تفسير هذه الظواهر وتحليلها عن طريق
معرفة أسبابها وعامل نشوئها وتطورها. ومعرفة أسباب ظاهرة ما هو الذي يمكن
الإنسان من السيطرة عليها وضبطها والتأثير فيها وزيادتها أو إنقاصها،
وبالتالي التحكم فيها وإخضاعها للتجربة والتعديل والتطوير.
إن ما يميز التفكير العلمي عن التفكير الفلسفي مثلا، أن التفكير العلمي
يبحث في الأسباب والعلل المباشرة لا الأسباب البعيدة، لأنه لا يستطيع إخضاع
الأسباب البعيدة للقياس والتجريب.
وللتفكير العلمي هدف نظري وهدف عملي. أما الهدف النظري فهو اكتشاف حقائق
الكون، وأما العملي فهو إيجاد الحلول لمشكلات الإنسان والطبيعة.
ولكي يصل التفكير العلمي إلى معرفة الأسباب فهو يطرح دائما أسئلة صغيرة
ومحددة، ولا يطرح أسئلة عامة كتلك التي يطرحها الفلاسفة. ولذلك يحدد
التفكير العلمي مشكلة معينة ويطرح حولها أسئلة محددة يحاول أن يجيب عنها.
وقد اكتشف العلم في بحثه عن الأسباب المباشرة أن هناك ظواهر معقدة ومتعددة
يصعب إرجاعها إلى سبب معين أو أسباب معينة. فالظواهر الإنسانية والظواهر
الاجتماعية، وبعض الظواهر الطبيعية يصعب ردها إلى سبب معين. مثال: المطر لا
ينتج عن التبخر نفسه، ولا عن زيادة نسبة الرطوبة وحدها، ولا عن انخفاض
درجة الحرارة، وحدها. وكذلك الظواهر الإنسانية لا يمكن فهمها من خلال
تفسيرها وإرجاعها إلى عامل واحد، فالعوامل متعددة ومتشابكة، ولا يؤثر أي
عامل بشكل منفرد ومستقل. ولذلك لابد من توسيع فكرة السببية. فالسببية فكرة
صالحة لتفسير الظواهر البسيطة جدا، ولكنها لا تصلح للظواهر المعقدة. ولعل
هذا ما جعل التفكير العلمي ينظر نظرة نظامية إلى الظاهرة أو الموقف ويفسرها
من خلال تفاعل مجموعة من العوامل والعلاقات الشبكية في مدخلات هذه
الظاهرة. وهذا ما أدى إلى ظهور التفكير المنظومي (Systemic)، أي النظر
للأمور على أنها جزء من منظومة أو نظام، وبالتالي أخذ جميع جوانب ذلك
النظام في الاعتبار، وكذلك مدى تأثير تلك الجوانب على الجانب الذي نبحث فيه
أو ندرسه، ومدى تأثُّر تلك الجوانب بما نقرره أو نفعله بخصوص الجانب الذي
نحن بصدده. وهذا يختلف عن التفكير المنظم (Systematic) الذي يتخذ أسلوبا أو
ترتيبا معينا ويتبع قواعد محددة
رابعا: الشمولية واليقين:
يتصف التفكير العلمي بالشمولية واليقين، فالباحث العلمي لا يدرس مشكلة محددة كهدف بل ينطلق من دراسة المشكلة المحددة أو الموقف الفردي للوصول إلى نتائج وتعميمات تشمل الظواهر المشتركة أو المواقف المشتركة مع موضوع دراسته. بمعنى أن هدف العلم هو الوصول إلى تعميمات ونتائج تتسم بالشمول وتنطبق على أكثر من فرد وأكثر من ظاهرة وأكثر من موقف. وتسري الشمولية على الموضوع وكذلك كل العقول التي تستطيع فهمها، فهي قابلة للانتشار من شخص إلى آخر، ولا علاقة لها بصاحبها أو مكتشفها، إذ إنها تفرض نفسها على جميع الناس.
ويرتبط بشمولية الموضوع وشمولية من يتقبلون هذا الموضوع صفة أخرى من صفات الحقيقة العلمية؛ هي (اليقينية)، أي استناد الحقيقة العلمية على مجموعة كافية من الأدلة الموضوعية المقنعة. واليقين العلمي ليس يقينا مطلقا ثابتا لا يتغير. فكما ذكرنا آنفا، فإن الحقيقة العلمية حقيقة نسبية، بمعنى أنها حقيقة في فترة زمنية معينة. فإن كثيرا من الحقائق العلمية التي سادت فترة من الزمن بطلت صحتها نتيجة لجهود علمية جديدة. فالعلم عدو الثبات ولا يعترف بالحقائق العلمية الثابتة، بل يؤمن بأنها متغيرة.
خامسا: الدقة والتجريد:
يتسم التفكير العلمي بالدقة والتجريد. وهذا ما يميزه أيضا عن أنماط التفكير الأخرى. فالباحث العلمي يسعى إلى تحديد مشكلته بدقة، وتحديد إجراءاته بدقة، ولا يستخدم سوى كلام دقيق محدد. ولا يستخدم الباحث كلمات لها صفات القطع والتأكيد والجزم. فالحقيقة العلمية كما سبق القول ليست مطلقة بل احتمالية، ويحدد الباحث العلمي أيضا نسبة هذا الاحتمال.
ولكي ينجح الباحث العلمي في أن يكون دقيقا ويحدد مشكلاته وإجراءاته وفروضه بدقة، فإنه يستخدم اللغة الرياضية التي تقوم على أساس القياس المنظم الدقيق والتحدث بلغة الأرقام والرموز والعلاقات الرياضية المحددة. واستخدام هذه اللغة يؤدي إلى فهم دقيق للظواهر، فالأحكام الكيفية لا تساعد على فهم الظواهر بل قد تعطي فهما خاطئا لها. فإن استخدام كلمات مثل "ذكي" أو "ذكي جدا" أو "غبي" لا تعني شيئا محددا كأن تقول "تبلغ نسبة ذكاء الشخص (90) أو (100) أو (120) بالمائة. فالأرقام تسمح بالمقارنة.
والتفكير العلمي حين يستخدم الأرقام والقياس الكمي أو حين يستخدم لغة رياضية فإنه يجرد الأشياء من مادتها، فحين نقول 3 + 4 = 7 فإننا لا نعني ثلاثة أو أربعة أشياء معينة، بل كل ثلاثة وكل أربعة مهما كان موضوع هذا العدد. فالتجريد هو وسيلة الباحث العلمي للسيطرة على الواقع وفهم قوانينه وحركاته وتغيراته بشكل أفضل. كما يشمل التجريد، عدم علاقة القاعدة أو النتيجة التي يتم التوصل إليها بالشخص الذي توصل إليها.
عوائق التفكير العلمي:
تشهد الحياة في المجتمعات الحديثة والمعاصرة قوة واضحة ونفوذا واضحا للعلم، حيث دخلت الأساليب والمناهج العلمية كل شؤون الحياة ونشاطاتها، وأصبحت الطريقة العلمية الأسلوب الوحيد الذي تتبناه الشعوب لمواجهة مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولا يعني تزايد الإقبال على الأساليب العلمية أن الإنسانية كلها اتجهت نحو التفكير العلمي في حل مشكلاتها. بل ما زال الكثير من المجتمعات لا يؤمن ببعض سمات التفكير العلمي، أو يتنكر لهذه السمات نتيجة لوجود عقبات وعوائق بعضها قديم وبعضها ما زال مستمرا ومؤثرا حتى عصرنا الحاضر. فالنظرة الخرافية ما زالت تسود الكثير من المجتمعات، وحتى المجتمعات العلمية تعيش في ازدواجية التفكير العلمي والتفكير الأسطوري والخرافي كما سيرد لاحقا.
ومن أبرز العوائق التي تواجه المجتمعات في سعيها نحو البحث العلمي واستخدام الأساليب العلمية ما يلي:
أولا: انتشار الفكر الأسطوري والفكر الخرافي:
إن المجتمعات – حتى أكثر المجتمعات الأوروبية تقدما – تعيش ازدواجية بين العلم والخرافة. ومن أمثلة ذلك إقبال الناس على ممارسة التنجيم ومعرفة الأبراج وقراءة الحظوظ. ومن المفارقات العجيبة في هذا الصدد استخدام تقنية الإنترنت في ذلك! ولكن لا يعني هذا الازدواج في الغرب تعادُل التفكير العلمي والخرافي في هذه المجتمعات. فقد أثبت العلم والتفكير العلمي قدرة فائقة على إيجاد الحلول لكثير من مشكلات الإنسان. والفكر الخرافي ما زال يعيش هناك لكنه فكر هامشي لا يسهم في توجيه مسار الإنسان في الحياة الحاضرة. بعكس الحال في مجتمعاتنا العربية والمجتمعات النامية حيث لا يزال الفكر الخرافي قويا ويقف موقفا معاديا للعلم والتفكير العلمي.
ثانيا: الالتزام بالأفكار الذائعة:
يخضع بعض الناس للأفكار الشائعة الانتشار كالأفكار القديمة والأفكار التي تؤمن بها الغالبية. ويرون أن هذه الأفكار لا تنتشر ولا تبقى إلا لأنها صحيحة. وإلا لما تمسك بها الناس خلال فترات طويلة من الزمن.
لقد حمل الإنسان الكثير من الأفكار والتقاليد القديمة والتي ما زالت حية حتى الآن. فالأفكار التي ابتكرها أجدادنا وآباؤنا، والحكمة التي ورثناها من الأجيال القديمة ما زال يُنظر إليها نظرة احترام وتقديس، وما زال كثيرون يرفضون مجرد مناقشتها، بل يؤمنون بها بشكل تام لا يقبل النقاش، هذا رغم اختلاف معطيات الزمان والمكان التي وُلدت فيها تلك الأفكار والحكم. لابد أن نقر أن التمسك بالقيم والحِكَم السليمة أمر مطلوب، لكن ليس هناك ما يبرر التمسك بكل ما ورثناه دون تمحيص.
والملاحظ أن التمسك بهذه الأفكار القديمة يزداد كلما واجهت الإنسان ظروف صعبة ومصاعب، وكلما عاش في ظروف تمنعه عن التعبير الحر والتفكير العلمي، ومن ذلك العشائرية والقبلية وتحكم الكبار ... إلخ دون مسوِّغ مقبول.
ثالثا: إنكار قدرة العقل:
لاشك أن العقل الإنساني به قصور في فهم كنه عالم الغيب، إلا ما جاءه عن طريق الوحي المبلغ عن طريق الرسل – عليهم السلام -. إلا أن هذه الحقيقة قد حدت بالبعض إلى إنكار قدرة العقل حتى مع التعامل مع الظواهر الطبيعية التي يعايشها الإنسان. فإن قصور العقل عن إدراك الغيبيات ليس مبررا لإلغائه، وليس أدل على عدم إلغائه من تعدد الآيات القرآنية التي تحث على التفكر والتدبر والتعقل، وكذلك السنة النبوية القولية والعملية والتقريرية. بل قد عاب القرآن على عدم التدبر والتفكر والتعقل.
يتصف التفكير العلمي بالشمولية واليقين، فالباحث العلمي لا يدرس مشكلة محددة كهدف بل ينطلق من دراسة المشكلة المحددة أو الموقف الفردي للوصول إلى نتائج وتعميمات تشمل الظواهر المشتركة أو المواقف المشتركة مع موضوع دراسته. بمعنى أن هدف العلم هو الوصول إلى تعميمات ونتائج تتسم بالشمول وتنطبق على أكثر من فرد وأكثر من ظاهرة وأكثر من موقف. وتسري الشمولية على الموضوع وكذلك كل العقول التي تستطيع فهمها، فهي قابلة للانتشار من شخص إلى آخر، ولا علاقة لها بصاحبها أو مكتشفها، إذ إنها تفرض نفسها على جميع الناس.
ويرتبط بشمولية الموضوع وشمولية من يتقبلون هذا الموضوع صفة أخرى من صفات الحقيقة العلمية؛ هي (اليقينية)، أي استناد الحقيقة العلمية على مجموعة كافية من الأدلة الموضوعية المقنعة. واليقين العلمي ليس يقينا مطلقا ثابتا لا يتغير. فكما ذكرنا آنفا، فإن الحقيقة العلمية حقيقة نسبية، بمعنى أنها حقيقة في فترة زمنية معينة. فإن كثيرا من الحقائق العلمية التي سادت فترة من الزمن بطلت صحتها نتيجة لجهود علمية جديدة. فالعلم عدو الثبات ولا يعترف بالحقائق العلمية الثابتة، بل يؤمن بأنها متغيرة.
خامسا: الدقة والتجريد:
يتسم التفكير العلمي بالدقة والتجريد. وهذا ما يميزه أيضا عن أنماط التفكير الأخرى. فالباحث العلمي يسعى إلى تحديد مشكلته بدقة، وتحديد إجراءاته بدقة، ولا يستخدم سوى كلام دقيق محدد. ولا يستخدم الباحث كلمات لها صفات القطع والتأكيد والجزم. فالحقيقة العلمية كما سبق القول ليست مطلقة بل احتمالية، ويحدد الباحث العلمي أيضا نسبة هذا الاحتمال.
ولكي ينجح الباحث العلمي في أن يكون دقيقا ويحدد مشكلاته وإجراءاته وفروضه بدقة، فإنه يستخدم اللغة الرياضية التي تقوم على أساس القياس المنظم الدقيق والتحدث بلغة الأرقام والرموز والعلاقات الرياضية المحددة. واستخدام هذه اللغة يؤدي إلى فهم دقيق للظواهر، فالأحكام الكيفية لا تساعد على فهم الظواهر بل قد تعطي فهما خاطئا لها. فإن استخدام كلمات مثل "ذكي" أو "ذكي جدا" أو "غبي" لا تعني شيئا محددا كأن تقول "تبلغ نسبة ذكاء الشخص (90) أو (100) أو (120) بالمائة. فالأرقام تسمح بالمقارنة.
والتفكير العلمي حين يستخدم الأرقام والقياس الكمي أو حين يستخدم لغة رياضية فإنه يجرد الأشياء من مادتها، فحين نقول 3 + 4 = 7 فإننا لا نعني ثلاثة أو أربعة أشياء معينة، بل كل ثلاثة وكل أربعة مهما كان موضوع هذا العدد. فالتجريد هو وسيلة الباحث العلمي للسيطرة على الواقع وفهم قوانينه وحركاته وتغيراته بشكل أفضل. كما يشمل التجريد، عدم علاقة القاعدة أو النتيجة التي يتم التوصل إليها بالشخص الذي توصل إليها.
عوائق التفكير العلمي:
تشهد الحياة في المجتمعات الحديثة والمعاصرة قوة واضحة ونفوذا واضحا للعلم، حيث دخلت الأساليب والمناهج العلمية كل شؤون الحياة ونشاطاتها، وأصبحت الطريقة العلمية الأسلوب الوحيد الذي تتبناه الشعوب لمواجهة مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولا يعني تزايد الإقبال على الأساليب العلمية أن الإنسانية كلها اتجهت نحو التفكير العلمي في حل مشكلاتها. بل ما زال الكثير من المجتمعات لا يؤمن ببعض سمات التفكير العلمي، أو يتنكر لهذه السمات نتيجة لوجود عقبات وعوائق بعضها قديم وبعضها ما زال مستمرا ومؤثرا حتى عصرنا الحاضر. فالنظرة الخرافية ما زالت تسود الكثير من المجتمعات، وحتى المجتمعات العلمية تعيش في ازدواجية التفكير العلمي والتفكير الأسطوري والخرافي كما سيرد لاحقا.
ومن أبرز العوائق التي تواجه المجتمعات في سعيها نحو البحث العلمي واستخدام الأساليب العلمية ما يلي:
أولا: انتشار الفكر الأسطوري والفكر الخرافي:
إن المجتمعات – حتى أكثر المجتمعات الأوروبية تقدما – تعيش ازدواجية بين العلم والخرافة. ومن أمثلة ذلك إقبال الناس على ممارسة التنجيم ومعرفة الأبراج وقراءة الحظوظ. ومن المفارقات العجيبة في هذا الصدد استخدام تقنية الإنترنت في ذلك! ولكن لا يعني هذا الازدواج في الغرب تعادُل التفكير العلمي والخرافي في هذه المجتمعات. فقد أثبت العلم والتفكير العلمي قدرة فائقة على إيجاد الحلول لكثير من مشكلات الإنسان. والفكر الخرافي ما زال يعيش هناك لكنه فكر هامشي لا يسهم في توجيه مسار الإنسان في الحياة الحاضرة. بعكس الحال في مجتمعاتنا العربية والمجتمعات النامية حيث لا يزال الفكر الخرافي قويا ويقف موقفا معاديا للعلم والتفكير العلمي.
ثانيا: الالتزام بالأفكار الذائعة:
يخضع بعض الناس للأفكار الشائعة الانتشار كالأفكار القديمة والأفكار التي تؤمن بها الغالبية. ويرون أن هذه الأفكار لا تنتشر ولا تبقى إلا لأنها صحيحة. وإلا لما تمسك بها الناس خلال فترات طويلة من الزمن.
لقد حمل الإنسان الكثير من الأفكار والتقاليد القديمة والتي ما زالت حية حتى الآن. فالأفكار التي ابتكرها أجدادنا وآباؤنا، والحكمة التي ورثناها من الأجيال القديمة ما زال يُنظر إليها نظرة احترام وتقديس، وما زال كثيرون يرفضون مجرد مناقشتها، بل يؤمنون بها بشكل تام لا يقبل النقاش، هذا رغم اختلاف معطيات الزمان والمكان التي وُلدت فيها تلك الأفكار والحكم. لابد أن نقر أن التمسك بالقيم والحِكَم السليمة أمر مطلوب، لكن ليس هناك ما يبرر التمسك بكل ما ورثناه دون تمحيص.
والملاحظ أن التمسك بهذه الأفكار القديمة يزداد كلما واجهت الإنسان ظروف صعبة ومصاعب، وكلما عاش في ظروف تمنعه عن التعبير الحر والتفكير العلمي، ومن ذلك العشائرية والقبلية وتحكم الكبار ... إلخ دون مسوِّغ مقبول.
ثالثا: إنكار قدرة العقل:
لاشك أن العقل الإنساني به قصور في فهم كنه عالم الغيب، إلا ما جاءه عن طريق الوحي المبلغ عن طريق الرسل – عليهم السلام -. إلا أن هذه الحقيقة قد حدت بالبعض إلى إنكار قدرة العقل حتى مع التعامل مع الظواهر الطبيعية التي يعايشها الإنسان. فإن قصور العقل عن إدراك الغيبيات ليس مبررا لإلغائه، وليس أدل على عدم إلغائه من تعدد الآيات القرآنية التي تحث على التفكر والتدبر والتعقل، وكذلك السنة النبوية القولية والعملية والتقريرية. بل قد عاب القرآن على عدم التدبر والتفكر والتعقل.
No comments:
Post a Comment