Morpheus : The Matrix is a system, Neo.
That system is our enemy.
But when you're inside, you look around. What do you see?
Business people, teachers, lawyers, carpenters.
The very minds of the people we are trying to save.
But until we do, these people are still a part of that system,
and that makes them our enemy.

Morpheus : You have to understand
most of these people are not ready to be unplugged.
And many of them are so inert
so hopelessly dependant on the system
that they will fight to protect it.


Wednesday, February 9, 2011

Enlightenment






عصر الإستنارة

1


يمكن نعت الإستنارة (Enlightenment) بأنها كحركة فكرية انطلقت من فرضية عامة مفادها أن العقل أعلى مرجع في إصدار الحكم والفصل بين الخطأ والصواب. لذلك، دعت هذه الحركة إلى بسط سلطان العقل والحكمة في جميع مجالات حياة الإنسان.
بدأت هذه الحركة في هولندا وامتدت إلى فرنسا، ومنها إلى إنجلترا وعادت إلى فرنسا في القرن الثامن عشر، كما وجدت لها تربة خصبة في ألمانيا. وهذه إشارة إلى اختلاف التزامن في مراكزها الرئيسية من بلد لآخر. أما جذورها فقد عادت إلى القرن السادس عشر، إلى جون بودان (Jean Bodin)، وفرنسيس بيكون (Francis Bacon)، وغاليليو غاليلي (Galileo Galilei)، وغيرهم. ومن الصعب الإشارة إلى حقل معين أو ميدان معين في الطبيعة أو الحياة الإنسانية لم تتناوله هذه الحركة الفكرية. ومن زاوية معينة، يمكن اعتبار الثورة الفرنسية التي نشبت في سنة 1789 انعكاساً لفكر الإستنارة وتأثيره في حياة الإنسان (فرنسا في هذه الحالة) العملية. ويكفي أن نذكر شعارات تلك الثورة (حرية، إخاء، مساواة) أو إعلانها لحقوق الإنسان والمواطن أو تغييرها للتقويم الميلادي أو تنصيب تمثال سلطان العقل لكي نلمس هذا التأثير.
 من أهم سمات حركة الإستنارة إيمانها العميق بحرية التفكير ودعوتها إلى استقلاليته. فقد رأت الإستنارة بهذين المبدئين شرطيين حتميين لتمكين العقل من ممارسة أهم ملكاته. وقد دافع فولتير (Voltaire) عن حرية خصمه في التعبير عن رأيه، رغم اعتقاده بخطأه. وبلسان جون لوك (John Locke): "على الإنسان أن يفكر ويعرف نفسه". ورأى ديكارت (Descrates) أن استعمال العقل "بصورة صحيحة" أهم شرط، ليس فقط للوصول إلى معرفة حقيقة الأشياء، بل أيضا كمنهج لدراسة موضوع المعرفة نفسها. ولعل قصة غاليليو الطريفة تكشف عن اقتناع مفكري الإستنارة بمطلقية سلطان العقل في الكشف عن الحقيقة، والحكم عليها. فقد أصرت المؤسسة الدينية الكنسية على أن يعترف غاليليو "بخطأ" نظرية كوبيرنيكوس (Copernicus). وبعد أن تم لها ذلك، همس غاليليو في أذن صديق جلس قريباً منه: "رغم ذلك، فإنها [أي الكرة الأرضية] تتحرك". بذلك أشار غاليليو أيضا إلى مسار حركة الإستنارة فيما بعد: بسط سلطان العقل في الحكم في موضوع الخطأ والصواب.
لسنا أمام حركة فكرية متجانسة في نهجها الفكري. كذلك لسنا أمام عقيدة فلسفية أو مدرسة علمية مترابطة العناصر، منظمة. ولعل من الخطأ وصفها بالحركة. إن أهم ما يميز رموز عصر الإستنارة هو اختلاف مذاهبهم الفكرية وتباين آرائهم وتشعب مسارات فكرهم. وتكفي نظرة خاطفة في "دائرة المعارف" المعروفة بـ "الإنسيكلوبيديا" التي اشترك عدد من مفكري عصر الإستنارة الفرنسيين في تأليفها لكي نلمس التعددية الفكرية واختلاف مذاهب مؤلفيها الفكرية وغنى مواضيعها المعرفية. ولعل العامل الوحيد الذي جمع بينهم هو حرية الفكر والتعبير والاستعداد لسماع الرأي الآخر. ما عدا ذلك، فالخلاف أبرز من الإجماع. وحذت بلدان أخرى حذو الفرنسيين، فصدرت "الانسيكلوبيديا" البريطانية في نهاية عصر الإستنارة. وحذا الألمان حذو غيرهم في وقت متأخر، فأصدروا "قاموس الأحاديث" (Conversationslexicon). وبذلك تعدى تأثير "دائرة المعارف" الفرنسية الحدود الجغرافية وأصبحت مثلاً يحتذى به. ويمكن اعتبار دوائر المعارف هذه مخازن معرفية جاءت امتداداً لإصدار "القواميس" (Dicionaries) المختلفة.


2


ظهرت الإستنارة في ظل الدولة الإقليمية المطلقة، عندما بذل ملوك وأمراء أوروبا جهودهم في توسيع رقعة حكمهم وتثبيت دعائم مُلكهم وايجاد شرعية لسلطتهم المطلقة بحيث لا تقبل الطعن بها. ووجدوا في الدين مصدراً لها. فقد عكس القَسَم، الذي وجب على ولي العهد أن يحلفه عند تتويجه ملكاً أو أميراً، الأصول الدينية لتبرير سياساته، إذ حدد القسم مسؤوليته أمام "الله وضميره". ومن منطلق عدم وجود جهاز آخر لمراقبة ممارسة سلطته (سوى الله وضميره) برر الحاكم المطلق سياساته أحيانا كثيرة. هكذا، على سبيل المثال، رأى لويس الرابع عشر (Lewis XIV) نفسه والدولة سيان "الدولة هي أنا".
رفضت الإستنارة هذا الشكل من شرعية ممارسة السلطة، ونمط التشريع الملازم لها. لكنها لم تكتف بنقده، بل طرحت، في نفس الوقت، الأصول التي يجب أن تستمد السلطة شرعيتها منها. ووصل رجال الإستنارة إلى مفهوم "العقد الاجتماعي" بين الحاكم والمحكوم كأساس لشرعية السلطة والى مفهوم "القانون الوضعي" الذي يجب أن ينظم العلاقة بين الطرفين، أو مبادئ الحقوق والواجبات كأساس لهذه العلاقة. لكن مفكري عصر الإستنارة اختلفوا في فهمهم "للعقد الاجتماعي" وتباينت وجهات نظرهم لغايات وضع القوانين. ونقاط الإختلاف في تصورهم "للعقد الاجتماعي" ولمبادئ الحقوق والواجبات، بأبعادها المختلفة، اكثر من نقاط اللقاء. مع ذلك، اتفق أغلبهم على الفصل والتمييز بين "الدولة" وبين "الحكم" سواء أخذ شكله الملكي أو الأميري، وأرجعوا أصول الدولة إلى مصادر أرضية (أي العقد الاجتماعي) وجردوا "العاهل" من "الهالة الإلهية" التي نعم بها قروناً عديدة. كما أدت نظرية العقد الاجتماعي، كدعوة لإكساب السلطة شرعية مدنية جديدة، إلى مرحلة جديدة في الفصل بين الدين والدولة، وعلمنة[1] الحياة الاجتماعية. هذا ينطبق على من سعى إلى تقويض الدعائم النظرية للحكم المطلق أمثال جون لوك (Locke)، ومونتسكيه (Montesquieu)، كما ينطبق على من حاول تبرير سلطة العاهل المطلقة كغروتيوس (Grotius)، وهوبس (Hobbes).
لم يكتف مفكرو الإستنارة بذلك، وطرحوا أسس مجتمع الدولة وأسس العلاقة بين الدولة والمجتمع والأفراد، باعتبارهم مواطني الدولة (أي مفاهيم الحقوق والواجبات والقانون). واستلزم طرحاً جدياً كهذا تقويض دعائم "العهد القديم" (كما دعاه ألكس دي توكوفيل (Alexis de Tocqueville) فيما بعد: مبادئ الحقوق التاريخية، وصلة الحق والواجب بالانتماء التاريخي المجتمعي). وتجسد التصور الجديد للفرد والمجتمع والدولة في طرح مبادئ الحقوق الطبيعية التي هي ملك لكل فرد، انطلاقاً من كونه إنساناً. لكن مفكري الإستنارة اختلفوا حول الأطر السياسية التي تضمن هذه الحقوق. ووجدت هذه الدعوة أجلى شكل لها على الأرجح عند توماس بين (Thomas Paine). ويمكن اعتبار إعلان حقوق الإنسان عند نشوب الثورة الفرنسية انتصاراً لحركة الإستنارة وفكرها على "العهد القديم" وأساساً لمجتمعنا المعاصر.


3


تعدى نقد مفكري الإستنارة الأصول الدينية التي نسب "الحاكم" شرعية حكمه إليها ليشمل حقولاً أخرى: علوم اللاهوت (العلوم الدينية)؛ والفلسفة الدينية؛ التراث الديني الأوروبي؛ والمؤسسة الدينية التي تمثلت بالجهاز الكنسي، الذي بسط سلطته في مختلف حقول الحياة في المجتمعات الأوروبية. ووصل هذا النقد أوجه في تقويض أركان ما نسجته المؤسسة الكنسية وعلوم الدين من تعاليم وأساطير شعبية ومعتقدات تراكمت خلال قرون عديدة. وفي الواقع فان نقد أشكال التدين والمعتقدات الشعبية بدأ منذ عصر النهضة. وقد حاول البعض التوفيق بين الدين وبين المناهج العقلية، فذهب إلى أن مفهوم الشيطان مثلا هو رمز أو قياس لمفهوم الشر، ومن الخطأ قبوله بصورة حرفية. وطالب بيير بايل -Pierre Bayle- (1647-1706)، أحد التوفيقيين في فرنسا، إخضاع الدين للنقد العقلي، مشيراً إلى أن جانباً كبيراً من التراث الديني المسيحي هو أقرب إلى الأساطير منه إلى الديانة المسيحية. وعزا العديد من الإصلاحيين التعصب ومعظم المعتقدات الدينية المسيحية إلى تاريخ الكنيسة وسياساتها تجاه من خالفها أو أبدى موقفا مغايراً لها. كما أن جون لوك (1632-1704) وجد أن المخرج الوحيد لحال النزاع الديني هو التسامح وتعايش الحركات الدينية بجانب بعضها البعض. وباختصار، فان رجال الإستنارة، خاصة من بين التوفيقيين، رأوا بالتعددية الدينية مبدأ مسيحياً.
لم يكتف البعض بنقد الديانة التاريخية التي أخذت شكل ما يعرف اليوم "بالديانة الشعبية"، بل شمل أيضا العقيدة الدينية وإمكان إخضاع الدين للنقد. وعلى الأرجح أن حملة النقد هذه وصلت ذروتها عند المفكرين الفرنسيين أمثال هولباخ (Holbach)، وهلفيتيوس (Helvitius)، وخاصة فولتير -Voltaire- (1694-1778) الذي يعتبر رمز الإستنارة، كما جاء هذا النقد في روايته "كنديد". وليس من الغريب أن يستبدل رجال الثورة الفرنسية في إحدى مراحلها الديانة المسيحية بالديانة الطبيعية عندما ألغوا التقويم المسيحي. وعلى الأجمال، فإن فكر الإستنارة، سواء دعا إلى التسامح الديني أو نقد الدين مباشرة، أسهم كثيراً في تطور فصل الدين عن الدولة والعلمنة في الحضارة الأوروبية.


4


شملت حركة النقد التي حمل رجال الإستنارة لواءها الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى نقد الحياة السياسية والدينية كما رأينا حتى الآن. فقد اعتبرت النظريات الاقتصادية في مسألة الموازنة بين الاستيراد والتصدير أهم مؤشر على غنى الدولة أو فقرها. واصبح النظام الاقتصادي مثقلاً بالقيود الجمركية والامتيازات الاقتصادية لضمان مبدأ الكفاية الذاتية. ووجه كل من تورجو -Tourgot- (1723-1781)، وآدم سميث -Smith- (1723-1790) نقداً شديداً لهذا النظام الذي عرف بـ "المركنتيلي" (Mercantilism). ورغم الخلاف بينهما حول ما اعتبراه مصادر الثروة القومية وعناصرها، فقد ذهب كل منهما إلى أن إزالة القيود الاقتصادية، وإلغاء الامتيازات، واطلاق الحريات توفر الشروط الضرورية للانتعاش والتقدم الاقتصادي. واعتقد سميث أن قوانين طبيعية تنظم الاقتصاد العالمي وتحدد "حصة" كل أمة من الثروة العالمية. واعتبر هذه القيود (الجمارك، الحواجز، الضرائب) تدخلا في عمل الطبيعة. وذهب سميث إلى أبعد من ذلك ورأى بالمستعمرات البريطانية "أغلالاً" في عنق الاقتصاد البريطاني تبطئ من تقدمه، وأحياناً تمنعه من التقدم.
ولاحظ بعض رجال الإستنارة الافرازات الاجتماعية التي يمكن ان تؤدي إليها هذه الدعوة. لذلك دعا تورجو إلى توزيع عادل للثروة القومية. ولا شك في أن الافرازات الاجتماعية للثورة الصناعية، وعلى الأخص ظهور البروليتاريا (proletariat) ومظاهر الفقر والفاقة الاجتماعية، منذ منتصف القرن الثامن عشر، لفت أنظار العديد من مفكري الإستنارة، خاصة في فرنسا. هكذا يمكن اعتبار نقد جان جاك روسو (Rousseau) ليس فقط "للمجتمع القديم"، بل هو بدرجة أكبر نقد "للمجتمع الجديد" الذي بدأت الثورة الصناعية تبشر بولادته.


5


تركت الإستنارة أثرها في الأدب والفن والموسيقى، وإن كان هذا الأثر متواضعاً بشكل عام، ومتفاوتاً من حقل إلى آخر، ومن بلد إلى آخر. فقد وجد ذوق الباروك[2] (Baroque) نهايته في عصر الإستنارة. إذ بدا لرجال الإستنارة أن ذوق الباروك مصطنع بأشكاله الناتئة وبكثرة الزخارف وتنوعها في الفنون. كما أثر نمط الحياة الأرستقراطية في الموسيقى لتعكس الأبهة وفخفخة القصور الأرستقراطية والملكية. ويمكن اعتبار عصر الإستنارة عصر انتقال من الباروك إلى الرومانسية رغم أن القصور الأرستقراطية والملكية (دور الاوبرا مثلاً) بقيت راعية لها. وانعكس هذا التطور في ظهور السيمفونية في الموسيقى على سبيل المثال.
لكن أهم أثر أحدثه عصر الإستنارة هو بروز الرواية بأشكالها المختلفة (القصة القصيرة  والرواية الأدبية). فبينما تناولت رواية "كنديد" لفولتير تفكك وانحلال "المجتمع القديم"، أبرز روسو أصول التربية والقيم الإنسانية في رواية "إميل". ولعل رواية "توم جونس" لمؤلفها هنري فيلدنغ (Henry Fielding) أصدق عرض لعصر الانتقال هذا. ولم يسلم الشعر من هذا التطور، إذ اختفت سوناتا شكسبير (Shakespeare) وأشكال التعبير الشعري وراح شعراء الرومانسية (خاصة في إنجلترا) ينشدون أشكالاً جديدة من التعبير. ولا بد من ذكر ازدهار أدب الرحلات والأسفار الذي تعدى القارة الأوروبية وتناول حياة مجتمعات تختلف في أعرافها ونمط حياتها عن الشعوب الأوروبية.
خلاصة الأمر، أن الدارس يلاحظ تطوراً بارزاً في الأذواق والقيم الجمالية خلال عصر الإستنارة: نفوراً من الأذواق الجمالية التي بقيت سائدة قروناً عديدة، وميلاً شديداً للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر الإنسانية. كان ظهور أدب وحضارة الصالونات والأندية الفكرية والمقاهي من أهم المظاهر الاجتماعية التي برزت خلال عصر الإستنارة. فقد شكلت هذه الأماكن ملتقى فكرياً لرجال الإستنارة ومظهراً حضارياً عكس معالم الإستنارة اجتماعياً. بدأت هذه الظاهرة في باريس، ومنها انتقلت إلى فينا ولندن وبرلين، ثم عادت لتزدهر في باريس بعد موت لويس الرابع عشر. أصبحت فرنسا واللغة الفرنسية رمزاً للحضارة والتمدن ومركزاً للحركة الفكرية. وشاع استعمال اللغة الفرنسية، كرمز للتمدن، في قصور ملوك وأمراء أوروبا. ويكفي أن نذكر فريدريك الثاني - الكبير (Friedrich II)، ملك بروسيا، الذي كتب بعض آثاره باللغة الفرنسية.


6


لقد أبدت الإستنارة تفاؤلاً بارزاً في قدرة العقل على حل الاشكالات الاجتماعية كما وأبدت ثقتها في قدرة سلطان العقل على الوصول إلى الحقيقة والحكم في مسائل الخطأ والصواب. هكذا اعتقد رجال الثورة الفرنسية أن أمر بسط حكم "الحرية، الإخاء، المساواة" يسير وسهل ما دامت الطبيعة الإنسانية فاضلة وخيرة. واتضح لهم لاحقا أن الأمر معقد وليس من السهل الوصول إليه. وعلى الصعيد النظري البحت بحث كانط (Kant) في "العقل المحض"، فلم يجده. ولم يعد أمام دافيد هيوم (David Hume) مناص سوى إلقاء الشك والريبة في قدرت العقل المطلقة على التمييز بين الخطأ والصواب، وفي امكانية الوصول إلى الحقيقة. بذلك وصلت حركة الإستنارة إلى نهايتها.

د. عبد الرحمن



[1] العلمنة مصطلح يستخدم لوصف التحول باتجاه الفصل بين الدين والدولة.
[2] انعكست حضارة "الباروك" في حقول مختلفة كالموسيقى، وفن النحت، والعمارة.



No comments:

Post a Comment